المقالات » الحجّ قبل الإسلام وبعده

تُعدُّ أيّام الحج وما بعدها أعياداً تُقام بها الأفراح ؛ لإدخال السرور إلى قلب الأرباب . ويكون الحجّ بـ ( الدعاء وبمخاطبة الآلهة ) ، غير أنّ بعض الجاهليّين كان يحجّ صامتاً أي من دون كلام .
وقد تميّز الشهر الذي يقع فيه الحجّ عن الأشهر الأُخرى بتسميته بـ ( شهر ذي الحجّة ) وبـ ( شهر الحجّ ) ، وهذه التسمية ـ المعروفة حتّى الآن في التقويم الهجري ـ هي تسمية قديمة ، كانت معروفة عند العرب قبل الإسلام (6) .
وكان هناك عدد من الآلهة يحجّ الناس إليها في الجاهليّة ; لذلك تعدّدت بيوت الأرباب . ومعنى هذا أنّ حجّ أهل الجاهليّة لم يكن إلى مكّة وحدها ، بل كان إلى محجّات عديدة أُخرى ، بحيث حجّ كلّ قوم إلى البيت الذي قدّسوه ، والصنم الذي عبدوه وطافوا حوله وتقرّبوا إليه ولبّوا له .
* وكانت ( قريش ) تتعبّد لأصنامها في الكعبة ، ولكنّها كانت تزور ( العزّى ) وتهـدي لهـا وتتقـرّب لها بالذبائح .
* كما كانت ( قُضاعة ) و ( لَخْم ) و ( جَذام ) و ( أهل الشام ) يحجّون إلى ( الأُقيصر ) ويَحْلقون رؤوسهم عنده .
* وكانت ( مُذْحِج ) تحجّ إلى ( يَغوث ) ، كما كانت ( طَي ) تعبد ( الغَلَس ) وتهدي إليه ، وكانت ( ثقيف ) تعبد ( اللاّت ) في الطائف .
* وحجَّ الجاهليّـون إلـى بيـوت أُخـرى مثل : ( بيت نجران ) و ( بيت ذي الخِلْصة ) و ( بيت مناة ) و ( بيت جَهار ) و ( سُواع شمس ) و ( مَحرِق ) و( مَرحَب ) و ( ذُريح ) (7) .
ولم تكن طقوس الحجّ إلى مكّة واحدة عند كلّ القبائل ، بل كانوا يختلفون ، ويصنّفهم المؤرّخون في صنفين عامّين هما : ( الحُمْس ) أو (الأحماس ) و ( الحُلّة ) ، ويضيف البعض صنفاً ثالثاً هم : ( الطُلْس ) أو ( الأطلاس ) .
ـ و ( الحُمْس ) : من العرب ، وهم قريش كلّها ، و ( خُزاعة ) ؛ لنزولها مكّة ، وكلّ مَن ولدت قريش من العرب ، وكلّ مَن نزل مكّة من قبائل العرب .
ـ أمّا ( الطُلْس ) : فهم سائر أهل ( اليمن ) ، وأهل ( حضرموت ) ، و ( عك أياد ) .
ـ أمّا ( الحُلّة ) : فالمفروض أنّهم بقيّة القبائل .
والأخباريّون يذكرون أنّ الطائفين بالبيت كان صِنْفٌ منهم يطوف عرياناً ، وصِنْف يطوف في ثيابه ، ويُعرف مَن يطوف بالبيت عرياناً بـ : ( الحَلّة ) ، أمّا الذين يطوفون بثيابهم فيعرفون بـ : ( الحُمْس ) ، وكان ( الطُلْس ) لا يتعرَّون حول الكعبة ولا يستعيرون ثياباً ، ويدخلون البيوت من أبوابها ولا يئدون بناتهم .
وكان ( الحَلّة ) يقصدون من نزع الثياب طرح ذنوبهم معها ويقولون : إنّهم لا يطوفون في الثياب التي فارقوا فيها الذنوب ، ولا يعبدون الله في ثياب أذنبوا بها ، وذُكر أنّ ( الحُلّة ) إذا أتمّوا طوافهم تركوا ملابسهم عند الباب ولبسوا ملابس جديدة (8) .
وقد منع الإسلام طواف العُرِي في أيّ وقت ، وحتّم على جميع قريش وغيرهم لبس الإحرام ، والإحرام قديم عُرف عند غير العرب أيضاً ، ويظهر أنّ أهل مكّة وقريشاً كانوا يلبسون الإحرام أو يعيرونه لغيرهم من العرب إنْ كانوا من حلفائهم .
ومن المحتمل أنّ ( المَعينيّين ) و ( السَبيئيّين ) و ( القَتْبانيّين ) و ( الحَضْرميّين ) كانوا يطوفون حول معابدهم على نحو ما كان يفعله أهل الحجاز ; لأنّ الطواف حول بيوت الأصنام من السنن الشائعة بين العرب وعند بني ( أرم ) و ( النبط ) ، وكان الطواف حول البيت الحرام بمكّة سبعة أشواط (9) .
الهوامش:
(6) د. جواد علي ، مفصل تاريخ العرب قبل الإسلام 6 : 190 .
(7) المصدر نفسه ، ودراسة مستقلّة حول أصنام العرب .
(8) المصدر نفسه 6 : 198 .
(9) المصدر نفسه .